اذا ما أرادت دول مجلس التعاون الخليجي تحقيق أهدافها في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني والتنمية الشاملة، فإن عليها الاهتمام بالعنصر البشري الوطني، فالتنمية البشرية محور أساس في تحقيق أهداف دول المنطقة وحضورها الدولي، وحينما يكون الإنسان هو محور التنمية وأساسها وهدفها، فإن مستقبل الدولة أو المنطقة سيكون أكثر ازدهاراً واستقراراً وحضوراًوحينما يتناول حديثنا الاستثمار فيجب أن لا يغيب عن بالنا أهمية الاستثمار البشري الذي يعد الرصيد الحقيقي في تقدم المجتمعات وازدهارها ونموها، وهذا لا يأتي إلا من خلال توظيف رأس المال المادي في خدمة الاستثمار في رأس المال البشري من حيث توظيف رؤوس الأموال في البناء الاجتماعي ـ كالتعليم والصحة ـ ثم التدريب والتأهيل.
وهناك دول حققت أهدافها التنموية من خلال اهتمامها بإحداث التنمية البشرية والاستثمار في العنصر البشري، فقد خرجت دول بعد حروب طاحنة وخسائر كبيرة بنجاحات مذهلة حينما انصب اهتمامها على محور التنمية الأساس، وهو الانسان؛ فاليابان ـ على سبيل المثال ـ استطاعت أن تستعيد قوتها الدولية وحضورها القوي في الساحة العالمية من خلال اهتمامها باستثمار العنصر البشري، لاسيما أنها تفتقر كثيراً إلى مصادر القوة الاقتصادية وخياراتها في هذا المجال محدودة، فاهتمت بالإنسان وتنميته علمياً وثقافياً بعد أن خسرت في الحرب العالمية الثانية وضربت بنيتها التحتية، فاستطاعت خلال عقد من الزمن أن تستعيد قوتها من خلال القوة الاقتصادية لتصبح من أكبر القوى الاقتصادية في العالم.
وهذا هو حال ألمانيا على صعيد أوروبا، إذ استطاعت بعد خسارتها الكبيرة في الحرب العالمية الثانية أن تصبح أكبر قوة صناعية واقتصادية في أوروبا، ثم أصبحت من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، وتحقق لها ذلك من خلال الاستثمار في العنصر البشري؛ وهذا أيضاً حال دول جنوب شرق آسيا التي أطلق عليها لقب «النمور الصفر» بعد أن حققت نجاحات كبيرة في التنمية الاقتصادية وسجلت حضوراً قوياً في الساحة الاقتصادية الدولية، ومن تلك الدول كوريا الجنوبية، ماليزيا، سنغافورة وإندونيسيا، واستطاعت هذه الدول من خلال مزجها العناصر المادية المحدودة مع العناصر البشرية المتميزة والمتعلمة والمؤهلة أن تحقق أهدافها التنموية، وأن تصبح من الدول التي يشار إليها بالبنان في تحقيق نجاحات حقيقية ومستمرة.
ومن هنا يمكن لدول الخليج وفي إطار سعيها نحو تحقيق تنميتها واستقرارها وحضورها الدائم أن تستفيد من هذه التجارب الناجحة والمتميزة، لاسيما أنها تمتلك الثروة النفطية والسيولة المالية وسكاناً نصفهم من الشباب القادر على العطاء والإنتاجية إذا ما تم استثمار قدراتهم ومؤهلاتهم وتم تدريبهم وتأهيلهم ومنحهم الثقة ليسهموا في مسيرة التنمية الشاملة وتحقيق تنمية مستدامة وأكثر استقراراً في مواجهة التناقص التدريجي للنفط.
المصدر: الإمارات اليوم، نجيب الشامسي