البحرين - المنامة: النشاط الثقافي إنطلاقة شعبية ورعاية حكومية
البحرين |
كان غريباً على المجتمع البحريني أن تذهب العائلات إلى المهرجانات الثقافية، أو أن يسمح الآباء لأبنائهم بتعلم الموسيقى أو كتابة النصوص الأدبيّة، خصوصاً إذا ما تعلقت بالحب والعشق. إلا أن هذا الوضع تغير كلياً.
مع تطور الوعي تجاه الثّقافة والفنون في المجتمع خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ شهدت المملكة ازدياداً ملحوظاً للجماهير المهتمة بالثقافة والمشاركين في الفعاليّات الفنية وكذلك المبدعين والمراكز المتخصصة.
وتشكلت الثّقافة البحرينية الحديثة في مطلع القرن الماضي وشهدت المملكة تأسيس أول مركز ثقافي شعبي عام 1913 حينما اجتمع الأهالي مع مجموعة من الشباب المثقّفين للعمل على تخصيص مكان ما، يساعدهم على القراءة، خصوصاً بعد زيادة نسبة المتعلمين المتخرجين من المدارس التبشيرية في البلاد آنذاك. وكانت مخاوف الأهالي تتمثل في توجه الشباب حينذاك إلى المكتبة الإرسالية بالمنامة والتي أسسها القس صموئيل زويمر عام 1894 وكانت تعرض الكتب التبشيرية.
وافتتحت المكتبة العامة في منتصف عام 1913 بالعاصمة المنامة، بناءً على قرار اتخذ بغالبية المجتمعين. وبدأ العمل فيها بمجهود شخصي، إذ استأجر الشباب دكاناً كبيراً، وعملوا على تحويله من بيع المواد الغذائية إلى مقر للمكتبة. واستطاعوا جمع الأموال لشراء الكراسي والطاولات والخزائن لوضع الكتب ومجلات، بعدما استطاعوا تسديد قيمة الإشتراك في تلك المجلات من تبرعات الأهالي.
وسبق هذه المكتبة العامة، واحدة خاصة كان أسسها الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة في منزله في أواخر القرن التاسع عشر، وكان يؤمّها الشعراء والأدباء، وتميزت بكونها أول مكان في منطقة الخليج يستقدم الصحف العربية، بموجب إتفاق بين الشيخ إبراهيم الذي كان مولعاً بالشعر، وبين كبار التجار في الحجاز. لكن مؤسسها إختار العزلة وأغلق المكتبة عام 1920.
وساهمت المكتبة العامة في توسيع الاهتمام بالثقافة، ما أدى إلى ظهور عدد من المكتبات والمراكز الثقافية مثل النادي الأدبي (1920) والمنتدى الإسلامي (1926) ونادي العروبة (1937) ونادي البحرين (1938) والنادي الأهلي (1939).
أما المكتبة العامة ذاتها، فتحولت في ما بعد إلى نادٍ أطلق عليه «نادي إقبال أوال» بما سمح بفتحها أمام الجمهور ليلاً أيضاً. وعلى رغم معارضتها من جانب عدد من رجال الدين الذين اعتبروها "عملاً مخالفاً للشريعة الإسلامية».
وفي فترة لاحقة، وفي ضوء اهتمام الحكومة بالثقافة، شهدت البحرين إطلاق عدد من المطبوعات (1971) اليومية الناطقة بالإنكليزية (توقفت عن النشر في عام 1987)، تبعتها 17 مجلة متخصّصة في ميادين عدة، رياضية، ثقافية، عسكرية واقتصادية.
وعلى خط موازٍ، شهدت المملكة نشاطاً كبيراً في مجال المسرح، إذ تأسس مسرح أوال في أيلول (سبتمبر) 1970، وعرف في البداية باسم «المسرح البحريني» وبعد عام واحد تغير الاسم إلى مسرح «أوال». وشارك في تأسيسه نخبة من الفنانين.
وشهد المسرح أول عرض عام 1971 وكان باسم «كرسي عتيق»، ثم أقيمت على خشبته عروض كثيرة. وتأسس بعده عدد من المسارح، واهتمت بتقديم العروض بأشكال مختلفة في محاولة تنافسية لجذب الجمهور، وساهم ذلك في إثراء الحياة الثقافية في البلاد وساعد على ظهور العديد من المبدعين، الذين تأثروا بالأعمال المسرحية التي خرجت من المسارح الوطنية.
ومع حلول الألفية الجديدة، عملت الحكومة البحرينية على إنشاء وزارة للثقافة، لتنظيم القطاع الثقافي في البلاد، بدلاً من الإكتفاء بدعمه، وأنطلقت الوزارة في عملها عام 2008. تتجاوز موازنتها حالياً 20 مليون دينار (قرابة 52 مليون دولار)، وتهتم بالإستفادة من الفن العالمي في تطوير المواهب المحلية من طريق تنظيم المهرجانات والفعاليات مثل مهرجان «صيف البحرين» ومهرجان «ربيع البحرين» ومشروع «تاء الشباب»، الذي يقام سنوياً وحقّق نقلة نوعية في مستقبل مئات الموهوبين وفتح المجال أمامهم لإبراز الإبداعات المختلفة. وخلال سنوات قليلة إستطاع المشروع تطوير قدرات عشرات الشباب ونقلهم من مرحلة الهواية إلى إحتراف الموسيقى والكتابة الأدبية والغناء، وصدر كثير من الروايات البحرينية الشبابية.
ومع إختيار المنامة عاصمة للسياحة الآسيوية عام 2014، شهدت المملكة كثيراً من الفعاليات الفنية والثقافية المتنوعة.